إلى أين بعد؟!

أقدم شيء في ذاكرتي هو لميعٌ من ضوء الشمس كان يتجه نحوي.
كان يوما من إحدى الأيام المعتادة؛ شعور الأمان، صوت الطيور، رائحة الفطور تأتي مع الصوت الحنون وهو ينادي حي على الإفطار، ولم تكن الهموم تتجاوز الفوزَ بلعبةٍ مع أصدقاء الشارع.
للأسف كان على السنين أن تمر ولا مانع لذلك، والمحزن هو الكبرُ على فكرة أننا نعيش في عالم جميل هادئ لا تتجاوز مشاكله عن أمور السرقة أو ما شابه؛ و سرعان ما بدأنا نتفاجأ بكثرة وجود الوحوش في كل مكان.
كانت أولَ حقيقة أواجهها هي وجود حيوانات على شكل بشر تتبع غريزتها في القتل والسلب والتفكير بمطامع النفس لا أكثر.

والآن إلى أين بعد؟!
عشنا الحروب، لم يعد هناك نوع من أنواع الأسلحة نجهله أو بالأحرى لا نعرف أدق تفاصيله، والحقيقة الأبشع أنه لم يتبقى أيُ سلاحٍ منها لم يقوموا بتجربته علينا، طبعاً كوننا في عيونهم فئرانٌ دسمةٌ للتجارب.

كلُ ما عشناه من شيء جميلٍ في أيامنا الفتية كما قالوا فأنا لم أعد أذكر منها إلا القليل ” اختفى “.
ولا أريد التوسع هنا بل لا يحتاج الأمر، لكن يمكنني القول أنني لم أعد أرى عائلة واحدة من دون شهيدٍ أو مفقودٍ واحدٍ على الأقل.
ولن أتحدث عما تركناه من خير بقاع الأرض فلا شيء يساوي فقدان قطرة دمٍ من أحد الأحبة.

ومازالت تمر السنين، لكن المشكلة العظمى والتي هي في قلوبنا حتى الآن ولا أعتقد أنها ستحلُ يوماً هو أننا لم نعد نعلم إلى أين بعد؟!….
هل أذكر ما فقدناه من أحبة، أم أرض رويت دماءً حتى شبعت ثم بيعت بأبخس الأطماع، أم عن إخراجنا كرهاً إلى بلادٍ لم تزد إلا الضياعَ ضياعاً.
وها أنا أواصل المسيرَ آملاً أملاً مزعزعاً أن أواصله يوماً ما على الطريق الصحيح، وحتى أنه لم يتبقى لموعد تخرجي إلا القليلُ من الأيام.

وما زالت الوعود تتوالى أننا عائدون إلى جناننا، لكن السؤال مجدداً إلى أين بعد؟!….

وأختتم بشعر إبراهيم عبد القادر المازني:

          لا اليأس مجد ولا الآمال نافعة                                    أخبث بعيش على الحالين مذموم

          يا درة غصت في لج الحياة لها                                       أأنفض اليوم منها كف محروم