وطن في غربة

خواطر

وطن في غربة

أيعقل أن يجد أحدٌ وطناً له في غربته! لطالما تكلم الأُدباء والشُعراء عن مأسي الغربة، وأن الغربة كُربة.

وألا يمكن لإنسان أن يترك وطنه الأم ويجد راحتهٌ خارجه، مهما حاول أو فعل، لكن كيف للإنسان أن يجد وطناً في غربته.

عندما يخلوا الوطن من سكانه ويُهَجَرونَ قسرياً بعيداً عنه، لم يعد يبقى في هذه الأرض الجغرافية ما يجمعهم بها سوى الذكريات،

أما الأشخاص التي جمعتك بهم هذه الذكريات باتوا إما خارجها أو في قبورها. فلا يعود للوطن الأم ذلك الرابط، ويبقى ما يذكرنا به فقط الصور ونحن فيها مع أولئك الناس فرحين بواقع لا يفرح.

أما عن وطن الغربة فبعد أن بات أكثر الشعب مهجراً وأصبح الوطن الحقيقي خارج تلك البقعة الجغرافية، لأن الوطن لا يكتمل بنقص أحد عناصره المهمة وهو أنت ومن كانوا يعيشون فيه.

فعندما تجتمع في غربتك بالكثير من الأشخاص وأبناء المحافظات الأخرى وتتعرف أكثر عليهم، أكثر حتى مما كنت تعرفه عنهم داخل وطنك الأم.

عندها تتعرف حتى أكثر على أولئك الذين يتكلمون لغتك العربية من بلاد شتى من الوطن الأكبر الذي يسمى الوطن العربي، والذي لم تكن تعرف الكثير عنه في وطنك الأم، سوى بعض المسميات التي كانوا يدرسونك إياها في مدرستك، أما أن تعيشها بقرب، بعد أن تجمعك بضع سنوات مع بعض الأشخاص في غربتك، فهم لن يكونوا مجرد أصدقاء أو معارف عاديين، هم سيكونون وطنك الجديد في غربتك كما ستكون أنت وطنهم.

لطالما فرقتنا حدودٌ جغرافية وادعينا أننا في أوطان داخل تلك المناطق التي فُرضت علينا، حيث ادعينا حينها أننا لو خرجنا خارج حدودها سنكون في غربة مقيتة، فأي غربة نتحدث عنها ونحن لطالما كنا داخل تلك الأوطان مغتربين، نبحث عن قليل من الكرامة، أو نرضى بما ألزمونا به من حدود وقوانين لا شرعية.

الغربة الحقيقية هي تلك الغربة التي يعيش بها الإنسان مغترباً داخل وطنه لا خارجه، الغربة الحقيقية أن نستسلم للأمر الواقع، ونأبى أن نكسر القواعد الروتينية التي كتبت بأيدي صانعي القرار كما يسمونهم أو حتى نرضى بما كتبه الأدباء أو الشعراء،

إنني قد لا ألومهم فزمانهم ليس كزماننا الآن، ليس ما كتبوه هو دائماً ينطبق على ما نحن عليه في حاضرنا، وأعتقد أنهم لو كانوا لبدأوا بلعن الاستعمار الذي فرق الوطن بتلك الحدود وجعلها أوطاناً مجزئة، وثم لعنوا أولئك الحكام الذين ولّوُّ على أوطاننا فجعلونا داخلها نعاني من الغربة، ولا أدري أسيلعنوننا لأننا قبلنا بتلك القيود التي فُرضت علينا، أم لأننا ادعينا حبنا لأوطاننا على الشكل المفروض لا على ما ينبغي عليه أن تكون.

الوطن الحقيقي هو الوطن الذي تكتمل عناصره الحقيقية، أرض جغرافية، وشعب يحمل تاريخ مشترك، والأهم أن يعيشوا جميعاً بكرامة في نفس الأرض……….حقاً قد تكون الغربة وطن.

بقلم:

شارك هذا الموضوع:

Facebook
Twitter

أقرأ أيضاً

الصراع بين التغيير والإحباط..

خواطر الصراع بين التغيير والإحباط الصراع بين التغيير والإحباط..لاشك أن تجربة التطوع في التجمع هي واحدة من أهم التجارب التطوعية …

على أنغام اللا أستطيع

خواطر على أنغام اللا أستطيع على أنغام اللا أستطيع أستيقظت عقولنا، لاشك في الآونة الأخيرة من العيش المترف الذي شهدناه. …

إلى أين بعد؟!

خواطر إلى أين بعد؟! أقدم شيء في ذاكرتي هو لميعٌ من ضوء الشمس كان يتجه نحوي.كان يوما من إحدى الأيام …

حرب الأبيض والأسود

الأمل هو شعور قوي يمكن أن يجعلنا نستمر في الحياة ونواجه التحديات. يمنحنا القوة والعزيمة للمضي قدمًا في الحياة وتحقيق أهدافنا.

وطن في غربة

خواطر وطن في غربة أيعقل أن يجد أحدٌ وطناً له في غربته! لطالما تكلم الأُدباء والشُعراء عن مأسي الغربة، وأن …

وحدة الطريق

خواطر وحدة الطريق في طريق الهدف لا نعلم العقبات التي ستواجهنا لا نعلم مدى طوله من قصره لا نعلم هل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *